فصل: تفسير الآيات (31- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (31- 32):

{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}
قوله عز وجل: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: وما أمر الدنيا والعمل لها إلا لعب ولهو، فأما عمل الصالحات فيها فهو من عمل الآخرة، فخرج من أن يكون لعباً ولهواً.
والثاني: وما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو لاشتغالهم بها عما هو أولى منها، قاله الحسن.
والثالث: أنهم كأهل اللعب واللهو لانقطاع لذاتهم وقصور مدتهم، وأهل الآخرة بخلافهم لبقاء مدتهم واتصال لذتهم، وهو معنى قوله تعالى: {وَلَلدَّارُ الأخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} لأنه قَدْ دام لهم فيها ما كان منقطعاً في غيرها.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن ذلك خير لكم.
وذكر بعض الخاطرية قولاً رابعاً: أنها لعب لمن جمعها، لهو لمن يرثها.

.تفسير الآيات (33- 36):

{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}
قوله عز وجل: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} يعني من التكذيب. لك، والكفر بي.
{فَإِنَّهُمْ لاَ يُكّذَّبونَكَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: فإنهم لا يكذبونك بحجة، وإنما هو تكذيب بهت وعناد، فلا يحزنك، فإنه لا يضرك، قاله أبو صالح، وقتادة، والسدي.
والثاني: فإنهم لا يكذبون قولك لعلمهم بصدقك، ولكن يكذبون ما جئت به، قاله ناجية بن كعب.
والثالث: لا يكذبونك في السر لعلمهم بصدقك، ولكنهم يكذبونك في العلانية لعداوتهم لك، قاله الكلبي.
والرابع: معناه أن تكذيبهم لقولك ليس بتكذيب لك، لأنك رسول مُبَلّغ، وإنما هو تكذيب لآياتي الدالة على صدقك والموجبة لقبول قولك، وقد بين ذلك بقوله تعالى: {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بئَأَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} أي يكذبون.
وقرأ نافع والكسائي: {لاَ يُكَذِّبُونَكَ} وهي قراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتأويلها: لا يجدونك كاذباً.
قوله عز وجل: {وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} يحتمل أربعة تأويلات:
أحدها: معناه لا مُبطِل لحُجَّتِهِ ولا دافع لبرهانه.
والثاني: معناه لا رَادَّ لأمره فيما قضاه من نصر أوليائه، وأوجبه من هلاك أعدائه.
والثالث: معناه لا تكذيب لخبره فيما حكاه من نصر مَنْ نُصِرَ وهلاك مَنْ أُهْلِكَ.
والرابع: معناه لا يشتبه ما تخرّصه الكاذبون عليه بما بلَّغه الأنبياء عنه.
{وَلَقْدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِىْ الْمُرْسَلِينَ} فيما صبروا عليه من الأذى، وقُوبلوا عليه من النصر.
قوله عز وجل: {وَإِن كَانَ كَبُرَ إِعْرَاضُهُمْ} فيه قولان:
أحدهما: إعراضهم عن سماع القرآن.
والثاني: عن استماعك.
{فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ} أي سرباً، وهو المسلك فيها، مأخوذ من نافقاء اليربوع.
{أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَآءِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مصعداً، قاله السدي.
والثاني: دَرَجاً، قاله قتادة.
والثالث: سبباً، قاله الكلبي وقد تضمن ذلك قول كعب بن زهير.
ولا لَكُمَا مَنْجىً عَلَى الأرْضِ فَابْغِيَا ** به نَفَقاً أوْ في السَّمَوَات سُلَّماً

{فَتَأْتِيَهُم بئَايَةٍ} يعني أفضل من آيتك ولن تستطيع ذلك، لم يؤمنوا لك، فلا يحزنك تكذيبهم وكفرهم، قال الفراء: وفي الكلام مضمر محذوف وتقديره: فتأتيهم بآية فافعل.
{وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} يعني بالإلجاء والاضطرار.
قال ابن عباس: كل موضع قال الله فيه {ولو شاءَ اللهُ} فإنه لم يشأ.
{فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجَاهِلِينَ} يعني تجزع في مواطن الصبر، فتصير بالأسف والتحسر مقارباً لأحوال الجاهلين.
قوله عز وجل: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} الاستجابة هي القبول، والفرق بينها وبين الجواب: أن الجواب قد يكون قبولاً وغير قبول.
وقوله: {الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني الذين يعقلون، قاله الكلبي.
والثاني: الذين يسمعون طلباً للحق، لأن الاستجابة قد تكون من الذين يسمعون طلباً للحق، فأما من لا يسمع، أو يسمع لكن لا بقصد طلب الحق، فلا يكون منه استجابة.
{وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} فيه قولان:
أحدهما: أن المراد بالموتى هنا الكفار، قاله الحسن، وقتادة ومجاهد.
ويكون معنى الكلام: إنما يستجيب المؤمنون الذين يسمعون، والكفار لا يسمعون إلا عند معاينة الحق اضطراراً حين لا ينفعهم حتى يبعثم الله كفاراً ثم يحشرون كفاراً.
والقول الثاني: أنهم الموتى الذين فقدوا الحياة، وهو مثل ضربه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، ويكون معنى الكلام: كما أن الموتى لا يستجيبون حتى يبعثهم الله فكذلك الذين لا يسمعون.

.تفسير الآيات (37- 39):

{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)}
قوله عز وجل: {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ} يعني آية تكون دليلاً على صدقه وصحة نبوته.
{قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ ءَايَةً} يعني آية يجابون بها إلى ما سألوا.
{وَلَكِنَّ أَكْثرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يحتمل وجهين.
أحدهما: لا يعلمون المصلحة في نزول الآية.
الثاني: لا يعلمون أن زيادة الآيات إذا لم يؤمنوا بها، توجب الزيادة من عذابهم، لكثرة تكذيبهم.
فإن قيل: فهذه الآية لا تدل على أن الله لم ينزل عليهم آية تقودهم إلى التصديق فلم يلزمهم الإِيمان، قيل: هذا خطأ، لأن ما أظهره الله من الآيات الدالة على صدق رسوله وصحة نبوته، أظهر من أن يُخْفَى، وأكثر من أن ينكر، وأن القرآن مع عجز من تحداهم الله من الآيات بمثله، وما تضمنه من أخبار الغيوب وصدق خبره عما كان ويكون أبلغ الآيات وأظهر المعجزات.
وإنما اقترحوا آية سألوها إعناتاً، فلم يجابوا مع قدرة الله تعالى على إنزالها، لأنه لو أجابهم إليها لاقترحوا غيرها إلى ما لا نهاية له، حتى ينقطع الرسول بإظهار الآيات عن تبليغ الرسالة.
وإنما يلزمه إظهار الآيات في موضعين:
أحدهما: عند بعثه رسولاً ليكون مع استدعائه لهم دليل على صدقه.
والثاني: أن يسألها من يعلم الله منه أنه إن أظهرها له آمن به، وليس يلزمه إظهارها في غير هذين الموضعين.
قوله عز وجل: {وَمَا من دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ} دابة بمعنى ما يدب على الأرض من حيوان كله.
{وَلاَ طَآئِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} يعني في الهواء، جميع بين ما هو على الأرض وفيها وما ارتفع عنها.
{إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} في الأمم تأويلان:
أحدهما: أنها الجماعات.
والثاني: أنها الأجناس، قاله الفراء.
وليس يريد بقوله: {أَمْثَالُكُم} في التكليف كما جعل قوم اشتبه الظاهر عليهم وتعلقوا مع اشتباه الظاهر برواية أبي ذر، قال: انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا؟ قلت: لا، قال: «لَكِنَّ اللَّهَ يَدْرِي وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا» قال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يقلب طائر بجناحيه في السماء إلا ذكّرنا منه علماً، لأنه إذا كان العقل سبباً للتكليف كان عدمه لارتفاع التكليف.
والمراد بقوله: {أَمْثَالُكُم} وجهان:
أحدهما: أنها أجناس وتتميز في الصور والأسماء.
والثاني: أنها مخلوقة لا تُظْلَم، ومرزوقة لا تُحْرَم.
ثم قال تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} فيه تأويلان:
أحدهما: ما تركنا خلقاً إلا أوجبنا له أجلاً، والكتاب هنا هو إيجاب الأجل كما قال تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ} [الرعد: 38] قاله ابن بحر وأنشد لنابغة بني جعدة:
بلغو الملوك وأدركوا ال ** كتاب وانتهى الأجل

والتأويل الثاني: وهو قول الجمهور: أن الكتاب هو القرآن الكريم الذي أنزله، ما أخل فيه بشيء من أمور الدين، إما مُفَصَّلاً يَسْتَغْنِي عن التفسير، أو مجْمَلاً جعل إلى تفسيره سبيلاً.
يحتمل تأويلاً ثالثاً: ما فرطنا فيه بدخول خلل عليه، أو وجود نقص فيه، فكتاب الله سليم من النقص والخلل.
{ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرْونَ} فيه تأويلان:
أحدهما: أن المراد بالحشر الموت، قاله ابن عباس.
والثاني: أن الحشر الجمع لبعث الساعة.
فإن قيل: فإذا كانت غير مُكَلَّفَةٍ فلماذا تبعث يوم القيامة؟ قيل: ليس التكليف علة البعث، لأن الأطفال والمجانين يبعثون وإن كانوا في الدنيا غير مكلفين، وإنما يبعثها ليعوض ما استحق العوض منها بإيلام أو ظلم، ثم يجعل ما يشاء منها تراباً، وما شاء من دواب الجنة يتمتع المؤمنون بركوبه ورؤيته.

.تفسير الآيات (40- 45):

{قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}
قوله عز وجل: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكَّرُوا بِهِ} معنى ذلك أنهم تركوا ما ذَكَّرَهُم الله من آياته الدالة على توحيده وصدق رسوله.
{فَتَحْنَا عَلَيْهِمُ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} يعني من نِعَمِ الدنيا وسَعَة الرزق.
وفي إنعامه عليهم مع كفرهم وجهان:
أحدهما: ليكون إنعامه عليهم داعياً إلى إيمانهم. والثاني: ليكون استدراجاً وبلوى، وقد روى ابن لهيعة بإسناده عن عقبة ابن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتَ اللَّه يعِطي العِبَادَ مَا يَشَاءُونَ عَلَى مَعَاصِيهِم إِيَّاهُ فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِدْرَاجٌ مِنْهُ» ثم تلا: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابِ كُلِّ شَيْءٍ}.
{حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ} يعني من النِّعَمْ فلم يؤمنوا.
{أَخَذَنَاهُم بَغْتَةً} يحتمل وجهين.
أحدهما: أنه تعجيل العذاب المُهْلِك جزاء لأمرين.
أحدهما: لكفرهم به.
والثاني: لكفرهم بنِعَمِهِ.
والوجه الثاني: هو سرعة الموت عند الغفلة عنه بالنِّعَمِ قَطْعاً للذة، وتعذيباً للحسرة.
ثم قال تعالى: {فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} وفيه خمسة تأويلات:
أحدها: أن الإِبلاس: الإِياس قال عدي بن زيد:
ملك إذا حل العفاة ببابه ** غبطوا وأنجح منهم المستبلس

يعني الآيس.
والثاني: أنه الحزن والندم.
والثالث: الخشوع.
والرابع: الخذلان.
والخامس: السكوت وانقطاع الحجة، ومنه قول العجاج:
يا صاح هل تعرف رسماً مكرساً ** قال نعم أعرفه وأبلسا